تعرضت لتحرش وأنا صغير مرات ثم تعلقت بهذه الجريمة ثم مارستها مع عدد أشخاص كُلً على حده حتى مارستها مع أقارب لي ثم من الله علي بالإستقامة فتبت ثم عدت لممارستها لكن على فترات متقطعة متباعدة وجدت هم وغم وما زلت على الإستقامة
أتوب من هذه الجريمة وأعود لا زلت أجد الإكتئاب والحزن والضيق من فترة إلى فترة لا أريد العودة إلى تلك المأساة أريد الخلاص أريد الراحة أريد الحياة الطبيعية أخشى الفضيحة صرت انطوائياً منعزلً شارد الذهن طويل الحزن
وللعلم فأنا أدعو إلى الله وأُلقي الكلمات أحذر الناس من الذنوب وأدعوهم إلى علام الغيوب ربي أنجني من هذا أطلب مشورتكم ومن دعائكم لا تحرموني أجد لذة الطاعة فترات وأفقدها مرات ومرات
ولكن لا أريد ولا أفكر في نزع ثوب الإستقامة وتذكروا أن الله قادر على أن يحيينا حياة طيبة وأن يسترني في الدنيا والآخرة وقد لجأت إليه وطلبت النجاة ومراضيه.. . ! ؟
الحمد لله، أخي الكريم:
فأولاً أنا أبارك لك إحساسك بالخطأ والندم على ما فعلت من ترك الحجاب، وفعل أمور لا ترضي الرب سبحانه، فاجعل هذا الندم توبة صادقة، ورجوعًا إلى الله وهنيئًا لك فرح الله بك وبعودتك إليه ونرجو الله أن يقبلنا جميعا عنده.
ويغفر لنا ويعفو عنا، ويثبتنا جميعًا على الإيمان والطاعة حتى نلقاه وهو راضٍ عنا. ونحمد الله أن شرح صدرك للطاعة التي كنت عليها ويبغّض إليك المعصية وهذا أول الطريق الذي يسلكه العبد الجاد في التوبة والبعد عن المعصية.
إن وجود الرغبة الملحة بترك المعصية وبغضها هو الوقود - بعد عون الله- للانتصار على النفس الأمارة بالسوء فأبشر بخير.
جميل إحساسك بخطر ما أنت مقدم عليه، وهذا دليل إحساسك بأنك على وشك فقدان شيء عزيز ومهم وضروري، وهو الثبات على الإيمان.
في البداية أود أن أنبهك أخي الكريم إلى بعض قضية مهمة:
أن المسلم مطالب بالتوبة كلما وقع في الذنب، ومهما تكرر منه الذنب وهو يتوب بعده مباشرة توبة صادقة فهو على خير إن شاء الله، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه - عز وجل - قال: "أذنب عبدٌ ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب!
اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: عبدي أذنب ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى - أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك".
قال النووي – رحمه الله- في معنى الحديث: قوله - عز وجل - للذي تكرر ذنبه: "اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.
وبعد أخي الكريم: لا أحتاج إلى الإسهاب في الحديث عن التوبة وفضلها وعلو منزلة التائبين عند الله، فأنت قلت عن نفسك [أنك داعية! ! ] . . ، وهذا معناه أنك علمت ما تعنيه التوبة، ثم إنك كلما قصرت عدت وتبت، وفي كلامك من التحرق للتوبة الشيء الكثير، لذلك سأتجاوز هذه القضية لأقدم لك النصائح التالية:
(1) حتى تنجح في بعدك عن المعصية لا بد أن تبتعد عن كل ما يذكرك بها، سواء كانوا أصدقاء، أم كان جهازاً، وغير ذلك، فأنت لا زلت في بداية الطريق لم يصلب عودك بعد، وهذه نقطة مهمة احرص على تنفيذها بدقة.
(2) وبما أنك لا زلت في بداية الطريق فلا بد لك من رفقاء أخيار يعينونك على الخير ويدلونك على أبوابه، ولا غنى لأي إنسان عن ذلك فهي فطرة في بني آدم، وقد وصى الله نبيه – صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"، فابحث عنهم واصبر نفسك معهم.
(3) نَمِّ الجوانب المشرقة في حياتك، ففي سؤالك ذكرت أنك تكتب تلقي الكلمات وتدعوا إلى الله، فإن هذا من سبل تقوية الإيمان في قلبك، ولا تطلب حذفها فإنك على خير بلا شك.
(4) أكثر من الدعاء وبالذات في الأوقات الفاضلة مثل آخر الليل وبين الأذان والإقامة فحري بأن يفتح الله بابه لك، وأن يقبل توبتك ويعصمك من الشيطان. دعائي لك بالتوفيق والثبات.
(4) إن مما يعينك أخي على الاستمرار في طريق الهداية والعلاج والاستقامة أن تتذكر أن الموت قريب، وقد يفاجئك في أي وقت، فها هو يتخطف شباباً من حولك بحوادث السيارات وغيرها، بعضهم مات على نغمات الأغاني الفاجرة يرددها بدلاً من قول: (لا إله إلا الله).
وآخر بعد أن ترك طريق الصلاح مات مدمناً للمخدرات، وثالث أكرمك الله مات وهو يهم بالزنا من إحدى الفاجرات، فهل تأمن أن تكون موتتك مثلهم إن أنت انقلبت على عقبيك، وهجرت الطاعة إلى المعصية، أعيذك بالله من ذلك.
تذكر أخي أن الجنة حفَّت بالمكاره، أي بما يشق على النفوس وتكرهه، ولا يصل إلى الجنة إلا من صبر على تلك المكاره، أما النار فطريقها محفوف بالشهوات، ولذا فكر جيداً أي الطريقين تحب أن تسلك؟! .
وفكر جيداً بم تحب أن تلقى الله به، وبم يختم لك به، هل تحب أن تموت صالحاً مستغفراً من ذنبك؟ أم مضيعاً للصلوات متبعاً للشهوات؟!
قال تعالى: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً"
(5) لا شك أن ما تعانيه من رغبة في العود إلى المعصية داء قلبي، ولكل داء دواء، كما قال ذلك الصادق المصدوق نبينا محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام، ومن الأدوية التي اقترحها عليك:
1- الإقبال على سماع الأشرطة الوعظية المؤثرة ومنها: شريط: (الجنة والنار) للمورعي، شريط: (الأماني والمنون)، إبراهيم الدويش، أشرطة د. خالد الجبير، أشرطة عبد المحسن الأحمد، شريط: (الرحيل) د. سعد البريك، شريط: (وإذا الجنة أزلفت) لمحمد المحيسني، وقبل ذلك الاستماع لبعض التلاوات القرآنية المؤثرة لكل من القراء: محمد المحيسني –عادل الكلباني– عبد العزيز الأحمد وغيرهم.
2- القراءة في الكتب التي تذكرك بعظمة الله وقدرته وبديع صنعه في خلقه مثل: كتاب النملة تسبح الله، كتاب غريزة أم تقدير إلهي لشوقي أبو خليل، كتاب التوحيد عبد المجيد الزنداني.
4- حضور المحاضرات الوعظية التي يلقيها الشيخ(الرسي)؛ لما فيها من تذكر وترقيق للقلوب.
5- تصحيح النية والإخلاص بين يدي كل عمل: كما قال العارف الزاهد يحيى بن أبي كثير رحمه اللّه: "تعلّموا النية؛ فإنها أبلغ من العمل" وكما قال سفيان الثورى رحمه اللّه: "كانوا يتعلمون النية للعمل، كما تتعلمون العمل. وعن بعض العلماء: "اطلب النية للعمل قبل العمل، وما دمت تنوي الخير فأنت بخير".
وجماع ذلك قوله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة" وقد أخرج ابن ماجة وصححه الحاكم والذهبي عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راضٍ ".
6- - استحضار الغاية التي يسعى الإنسان لتحصيلها: فغاية المسلم التي يسعى إليها هي اكتساب رضا اللّه عز وجل، والمسلم العاقل هو الذي وضحت له هذه الغاية، واستبان أمامه الهدف، فجدّ في السعي إليه، وسابق العمر في تحصيله، فإن صاحب الغاية السامية يحمل همةً عاليةً، وعزيمةً ماضيةً، ترتفع به عن سفاسف الأمور، وتبعثه بعثا إلى استباق الخيرات، مستمرئا كل مرٍّ، ومسترخصا كل تضحية ما دامت في سبيل اللّه عز وجل.
7- استحضار عواقب العمل:
وذلك حتى تشتاق النفس إلى تحصيل عاقبة الخير، فيحدث فيها الميل إلى فعله، وتستقبح عاقبة السوء، فتفر منه، ولا تميل إليه.
فالعاقل إذا ذُكِّر بأن عاقبة الطاعات: الجنةُ بما فيها من قطوفٍ دانيةٍ، ومنازل عاليةٍ، وأنهارٍ من ماءٍ غير آسنٍ، وأنهارٍ من لبنٍ لم يتغير طعمه، وأنهارٍ من خمر لذة للشاربين، وأنهارٍ من عسلٍ مصفى، وصحافٍ من ذهب وأكوابٍ، وفاكهة من كل صنف زوجان، وحور عينٍ، وغلمان مخلّدين، وفوق ذلك كله: رؤية رب العالًمين، إلى آخر ما أعدَّ اللّه لأهلها من ألوان النعًيم الذي لا يزول ولا يتحول، إذا ذكِّر العاقل بذلك فإن النفس عندئذ تتشوق لتحصيل هذا الخير، وتحقيق تلك الثمرات، فتنبعث إلى طلبها بصدقٍ من مالكهًا عز وجل، وذلك بالجهاد وإنفاق الأموال في سبيله بحبٍ وإخلاص.
أخرج ابن ماجة وصححه ابن حبان عن أسامة بن زيد رضي اللّه عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا مشمِّر للجنة! فإن الجنة لا خَطر لها (أي لا مثيل لها)، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ، ورَيْحانةٌ تهتز، وقصرٌ مشيدٌ، ونهرٌ مُطَّردٌ، وِفاكهةٌ كثيرة نضيجةٌ، وزوجة حسناءُ جميلة، وحُلَل كثيرة، في مُقام أبداً، في حَبْرَة (أي نعمة) ونضْرة، في دورٍ عاليةٍ سليمةٍ بهية". قالوا: نحن المشمّرون لهًا يا رسولً اللّه.
قال: "قولوا: إن شاء الله" ثم ذكر الجهاد وحضَّ عليه.
ومثل ذلك كثير في الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من سلف الأمة الصالحين، كان ذكرُ الجنة والتذكيرُ بعاقبة الجهاد يلهب مشاعرهم، فيصحّحون نياتهم، ويصلحون مقاصدهم، ويدفعهم إلى الطاعات دفعا، في سعادةٍ وشوقٍ وإخلاص.
8- استحضار هيبة وعظمة من تؤدِّي إليه العمل:
وهو اللّه عز وجل، إذ هو مطّلع على القلوب، عليم بذات الصدور، يعلم السر وأخفى، ويكشف الغش في النية والقصد، ومن ثم ينشط الإنسان للعمل ويتحرى فيه الإخلاص، قال بلال بن سعد: "لا تنظر إلى صِغَر الخطيئة، ولكن انظر من عصيت".
وكم زلّت في هذا الموطن أقدام! ورُبَّ قتيلٍ بين الصفين اللّه أعلم بنيته!
9- - كثرة اللقاء والمجالسة لأهل الخير والصلاح:
فإن الطبع يسرق من الطبع، وإن القلب يعدي القلب، وإن الجلوس مع الصالحين - وبخاصة أولئك المجتهدون المتواضعون الذين لا يحبون الشهرة، ولا يغترون بثناء الناس، ويتقبلون النصيحة بنفس راضية- ينمِّي حاسّة القلب، ويرقق مشاعره، ويجعله شديد الحساسية والتأثر، ويزكِّي فيه الإخلاص وحسن النية والنشاط للطاعة، ومجالس أولئك هي المجالس التي تتباهى بها الملائكة.
أخرج أحمد بسند حسن عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه، أن عبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنه إذا لقى الرجل من أصحابه، يقول: تعالَ بنا نؤمنْ ساعة.
فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، ألا ترى إلى ابن رواحة؟ يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم اللّه ابنَ رواحة؟ إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة عليهم السلام".
إن ملاقاة الصالحين ومجالستهم تعين على المواظبة على الطاعات، وتذكِّر المسلم بربه، وتبعث بين المتجالسين روحَ التنافس في الخير، وتسد أمام الشيطان أبواب الفتنة والإغواء، وتشغل القلب بالخواطر الصالحة، وتلك هي الثمرة الطيبة لمجالسة الصالحين المخلصين.
10- النظر في سير وأخبار السلف الصالح رضي اللّه عنهم. .
ألم تقرأ قصة بلال وعمار وخباب وسمية وغيرهم من الأصحاب الكرام –رضي الله عنهم جميعاً-؟ ! ألا تعلم أنه يوجد في بعض الدول الكافرة شباب صالحون سجنوا وعذبوا ليتركوا الصلاة والالتزام بالدين، ومع ذلك صبروا على العذاب في ذات الله؟ قارن بين حالك وحالهم. . الأ تتمنى مجالستهم. . رؤيتهم.
إن النظر في سير وأخبار السلف الصالح رضوان اللّه عليهم يحمل على التأسِّي والاقتداء بهم، ويستطيع المرء أن يجد طائفة كثيرة وافرة من أخبار القوم وأحوالهم في الكتب المختصة بذلك، ككتاب "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"لأبي نعيم الأصبهاني، وكتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي، و"تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، و"تاريخ مدينة دمشق" لابن عساكر، و"تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي، وغير ها.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالصالحين فلاح
11- وحبذا لو زرت مركز النقاهة الذي فيه هذا النوع من المصابين بالشلل بعد الحوادث؛ لتدرك عظيم نعمة الله عليك، وتشمر في طاعته ومرضاته وشكره.
لحظة؟!
ليس العيب أن يسقط الواحد في القاع ولكن العيب أن يستقر فيها! !
أتمنى أن اسمع صوتك. وقد قدمت لأمتك ما تنتظره منك! !
الكاتب: الشيخ عبد الله بن راضي المعيدي
المصدر: موقع المستشار